فرص

الصلاة وقت الزلازل.. دراسة فقهية حديثة, تعرف على التفاصيل.

الصلاة وقت الزلازل.. دراسة فقهية حديثة, تعرف على التفاصيل

الحمد لله على ما قضى وقدر، والشكر له على ما امتن به وتفضل، يرسل بالآيات تخويفاً ليعتبر العبد ويتذكر، وصلى الله وسلم على خير من ذكّر، وأرشد العباد إلى سبل النجاة وأنذر وحذر، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع آثارهم وتدبر.

أما بعد فلما كانت الآيات مما يخوف الله بها العباد ليفزعوا إليه، كان الواجب حيالها معرفة المفزع، وهو الذي سار إليه ومضى عليه النُّجب الناجون، فمن اتبعهم بإحسان سَلِم، ومن تنكب طريقهم فيوشك أن يعطب.
 
ومن أولى ما يحرر في ذلك أمر الصلاة عندها، لعظم شأنها، ولكونها لم تزل عوناً للعباد على تنفيس الكربات، بل على جميع المهمات: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
 
وفي أمر الصلاة عند رؤية الآيات المخوفة نزاع، ينبغي أن يحرر، قال الحافظ ابن حجر معلقاً على باب ما قيل في الزلازل والآيات: "وهل يصلي عند وجودها؟ حكى ابن المنذر فيه الاختلاف وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة، علق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره وروى ابن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعاً: صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات"(1).

وقد رأيت أن أشارك في هذه الورقات بتقرير ما ظهر من خلاف أهل العلم في أصل حكم الصلاة للآيات، هل تشرع أو لا تشرع؟ وإن كانت تشرع فهل يشرع الاجتماع لها أو لا يشرع، وما هي صفتها؟
 
والله أسأل أن يفتح على الكاتب والقارئ، ويهدينا جميعاً لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، وأن يدفع عنا وعن المسلمين الفتن، والزلازل والمحن، فهو المستعان، وعليه الجهد والتكلان.

الأقوال في حكم الصلاة وصفتها:

خلاصة الأقوال التي وقفت عليها في المسألة خمسة لها سادس لا اعتبار به، وهي:
1-    كراهتها، وهو مروي عن الإمام مالك، وبه قالت طائفة من المالكية، ونقل بعضهم أنه المعتمد من المذهب.
2-    عدم مشروعيتها جماعة كالكسوف، مع مشروعية صلاة الناس فرادى عندها كصلاة النافلة، وهو قول الشافعية. ولعل مايُروى عن الإمام مالك وابن وهب أشبه بهذا، بيد أني لم أر أحداً من المالكية في الكتب المعتمدة عندهم يقرره مذهباً لهم.
3-    أنها تشرع فرادى، ولو صلاها الناس جماعة فجائز وليس بسنة، وهو قول الحنفية.
4-    مشروعيتها جماعة كصلاة الكسوف، وهو قول الحنابلة وإسحق وأبي ثور، وقد فهمه متأخرو المالكية من قول أشهب.
5-    مشروعيتها جماعة استحباباً إلاّ إن أمر الإمام بجمعهم لها فواجبة، وهو قول لبعض متأخري المالكية.
6-    قال بعض الإمامية بوجوبها مطلقاً.

بسط أقوال الفقهاء في المسألة:

أولاً: قول الحنفية.

نص أئمتهم على أنها تصلى، قال الكاساني: " وكذا تستحب الصلاة في كل فزع: كالريح الشديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم؛ لكونها من الأفزاع، والأهوال، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى لزلزلة بالبصرة"(2). وقد نقل ابن عبدالبر عن أبي حنيفة قوله: من فعل فحسن، ومن لا فلا حرج عليه(3).

ثانياً: قول المالكية.

نقلوا عن مالك النهي عن الصلاة عند الزلزلة، وروي عنه أنه يُفزع للصلاة عند الأمر يحدث فيخاف كالزلازل. فمنهم من رجح المنع، ومنهم من رجح الصلاة، ومنهم من قال بجوازها مع الكراهة، ومنهم من حمل نهي مالك عن الصلاة على النهي عن السجود خاصة كما نهى عن سجود الشكر، مع جواز الصلاة وعلى هذا جرى المتأخرون.

ثالثاً: قول الشافعية.

نص الإمام الشافعي بعد أن ذكر حديث علي من طريق عاصم الأحول عن قزعة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة. قال: "ولسنا نقول بهذا نقول: لا يصلي في شيء من الآيات إلاّ في كسوف الشمس والقمر ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله تعالى عنه لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به ويقولون: يصلي ركعتين في الزلزلة في كل ركعة ركعة"(23).

رابعاً: قول الحنبلية.

قال ابن قدامة: "قال أصحابنا: يصلي للزلزلة كصلاة الكسوف. نص عليه"(36)، واختلفوا في بقية الآيات قال المرداوي: " قوله (ولا يصلي لشيء من سائر الآيات) هذا المذهب، إلا ما استثنى، وعليه أكثر الأصحاب، بل جماهيرهم، وعنه يصلي لكل آية. وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف به. قلت: واختاره ابن أبي موسى، والآمدي قال ابن رزين في شرحه: وهو أظهر، وحكى ما وقع له في ذلك، وقال في النصيحة: يصلون لكل آية ما أحبوا، ركعتين أو أكثر، كسائر الصلوات، ويخطب"(37).




 






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-